حكم الكذب والتحذير من كذبة أَول نيسان : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لـه وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسوله مَن بعثَه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعَلى كلِّ رَسولٍ أَرْسَلَه.
حكم الكذب
أما بعدُ أحبابي ، فإني أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى اللهِ تعالى والعملِ بشريعتِهِ والاستِنَانِ بِسُنَّةِ نبيِّهِ صلّى اللهُ عليه وسلم. وأَستفتِحُ بالذي هو خير:” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{8} “. [ سورة الزلزلة]
يقولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ العزيز:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {119}“. [ سورة التوبة]
وروى الإمامُ مسلمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:” عليكَ بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة، وما يَزَالُ العَبْدُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقا، وإيَّاكَ والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفجور( أي هو وسيلةٌ إلى ذلك، أي طريقٌ يُوصل إلى ذلك) وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ العبدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا“.
إنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى قدْ أَرشدَ عبادَه المؤمنينَ إلى كلِّ خَصْلةِ خيرٍ ونهاهُم عنِ الشرّ. وكذا رسولُه الكريمُ فقد أَرْسَلَهُ رَبُّهُ مُعَلِّمًا النَّاسَ الخيرَ داعيًا لهم إلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ ومحاسِنِها كما قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام:” إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الأخلاق“.
وإنَّه مِنْ عَظيمِ الصِّفَاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصِّدقُ، ومِن أَخْبَثِ الصِّفَاتِ التي نَهَى عَنْهَا الكَذِبُ.
والكَذِبُ وهو مَا نُريدُ بَسْطَ الكَلامِ فيه، فَهُوَ الكلامُ على خلافِ الواقع إذا كانَ يَعلمُ أنّه بخلافِ الواقِعِ، فقدْ رَهَّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مِنَ الكَذِبِ لأنَّه يُوصِلُ الإنسانَ إلى الفُجورِ وهو الميلُ إلى الفَسادِ والشُّرور. وإذا تكرَّرَ الكذِبُ أصبحَ عادةً وطبيعةً يَصْعُبُ الخلاصُ منها وعندَها يُكتبُ الإنسانُ كذّابًا، نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنَا معَ الصَّادِقِين.
وقد حذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مِنَ الكَذِبِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحاديثِ ومنها الحديثُ الذي يُبيِّنُ فيه الرَّسولُ خُبْثَ طبعِ الكذّاب.
والكذِبُ منه ما هو منَ الكبائرِ ومنه ما يكونُ منَ الصغائرِ ومنه ما يكونُ كفرًا والعياذُ باللهِ تعالى. فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلمٍ فهو مِنَ الصغائر، والصغيرةُ لا يُتَهَاوَنُ بها لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصَى. وإنْ كانَ فيهِ ضررٌ يَلحَقُ مسلمًا فهو مِنْ كبائرِ الذُّنوبِ والعياذُ بالله تعالى. وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ الكذِبُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام:” مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار“. وإذا كانَ في هذا الكذِبِ تحليلُ مُحرّمٍ بالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كالزِّنَى واللواطِ وَالقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ أو تحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ بالله تعالى، كما يَفْتَرِي بَعْضُهُم لِيُضْحِكَ الناسَ فيقول: قال الله تعالى” إذا رأيتَ الأَعْمَى فَكُبَّهُ على وَجْهِهِ إِنَّكَ لستَ أَكْرَمَ مِنْ رَبِّهِ” فهذا كفرٌ والعياذُ بالله مِنْ ذلك.